فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال النسفي:

سورة الكوثر مكية وهي ثلاث آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أعطيناك الكوثر}
هو فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة، وقيل: هو نهر في الجنة أحلى من العسل، وأشد بياضًا من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هو الخير الكثير فقيل له: إن ناسًا يقولون هو نهر في الجنة فقال: هو من الخير الكثير {فَصَلّ لِرَبّكَ} فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه وشرفك وصانك من منن الخلق مراغمًا لقومك الذين يعبدون غير الله {وانحر} لوجهه وباسمه إذا نحرت مخالفًا لعبدة الأوثان في النحر لها {إِنَّ شَانِئَكَ} أي من أبغضك من قومك بمخالفتك لهم {هُوَ الابتر} المنقطع عن كل خير لا أنت، لأن كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع على المنابر وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر الله ويثني بذكرك، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف، فمثلك لا يقال له أبتر إنما الأبتر هو شانئك المنسي في الدنيا والآخرة.
قيل: نزلت في العاص بن وائل سماه الأبتر، والأبتر الذي لا عقب له وهو خبر (أن) و{هو} فصل. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة الكوثر:
{إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ الكوثر}
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والكوثر بثاء مبالغة من الكثرة وفي تفسيره سبعة أقوال: الأول حوض النبي صلى الله عليه وسلم: الثاني أنه الخير الكثير الذي أعطاه الله له في الدنيا والآخرة.
قاله ابن عباس وتبعه سعيد بن جبير.
فإن قيل: إن النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله فالمعنى أنه على العموم. الثالث أن الكوثر القرآن. الرابع أنه كثرة الأصحاب والأتباع. الخامس أنه التوحيد. السادس أنه الشفاعة، السابع أنه نور وضعه الله في قلبه، ولا شك أن الله أعطاه هذه الأشياء كلها، ولكن الصحيح أن المراد بالكوثر الحوض لما ورد في الحديث الصحيح: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الكوثر هو نهر أعطانيه الله وهو الحوض آنيته عدد نجوم السماء».
{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر} فيه خمسة أقوال: الأول أنه أمره بالصلاة على الاطلاق وينحر الهدي والضحايا، الثاني أنه صلى الله عليه وسلم كان يضحي قبل صلاة العيد فأمره أن يصلي ثم ينحر، فالمقصود على هذا تأخير نحر الأضاحي عن الصلاة الثالث أن الكفار يصلون مكاء وتصدية وينحرون للأصنام فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: صل لربك وحده وانحر له، أي ولجهه لا لغيره، فهو على هذا أمر بالتوحيد والإخلاص. الرابع أن معنى انحر ضع يدك اليمنى على اليسى عند صدرك في الصلاة فهو على هذا من النحر وهو الصدر. الخامس أن معاه ارفع يديك عند نحرك في افتتاح الصلاة {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر} الشانئ هو المبغض، وهو الشنآن بمعنى العداوة، نزلت هذه الآية في العاصي بن وائل، وقيل: في أبو جهل على وجه الرد عليه إذ قال: إن محمدًا أبتر أي لا ولد له ذكر، فإذا مات استرحنا منه وانقطع أمره بموته، فأخبر الله أن هذا الكافر هو الأبتر وإن كان له أولاد لأنه مبتور من رحمة الله أي مقطوع عنها، ولأنه لا يذكر إذا ذكر إلا باللعنة بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم فإن ذكره خالد إلى آخر الدهر، مرفوع على المنابر والصوامع مقرون بذكر الله والمؤمنون من زمانه إلى يوم القيامة أتباعه فهو كوالدهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة الكوثر مكية، وآيها ثلاث آيات.
بسم الله الرحمن الرحيم
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ}
وقرئ: {أنطيناك}.
{الكوثر} الخير المفرط الكثرة من العلم والعمل وشرف الدارين. وروي عنه عليه الصلاة والسلام «أنه نهر في الجنة وعدنيه ربي فيه خير كثير أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأبرد من الثلج وألين من الزبد، حافتاه الزبرجد وأوانيه من فضة لا يظمأ من شرب منه» وقيل حوض فيها وقيل أولاده وأتباعه، أو علماء أمته والقرآن العظيم.
{فَصَلّ لِرَبّكَ} فَدُمْ على الصلاة خالصًا لوجه الله تعالى خلاف الساهي عنها المرائي فيها شكرًا لإِنعامه، فإن الصلاة جامعة لأقسام الشكر.
{وانحر} البدن التي هي خيار أموال العرب وتصدق على المحاويج خلافًا لمن يدعهم ويمنع عنهم الماعون، فالسورة كالمقابلة للسورة المتقدمة وقد فسرت الصلاة بصلاة العيد والنحر بالتضحية.
{إِنَّ شَانِئَكَ} إن من أبغضك لبغضه الله.
{هُوَ الأبتر} الذي لا عقب له إذ لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر، وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكوثر سقاه الله من كل نهر له في الجنة، ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قربه العباد في يوم النحر العظيم». اهـ.

.قال أبو حيان:

سورة الكوثر:
{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
وقرأ الجمهور: {أعطيناك} بالعين؛ والحسن وطلحة وابن محيصن والزعفراني: أنطيناك بالنون، وهي قراءة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال التبريزي: هي لغة للعرب العاربة من أولي قريش.
ومن كلامه صلى الله عليه وسلم: «اليد العلياء المنطية واليد السفلى المنطاة» ومن كلامه أيضًا، عليه الصلاة والسلام: «وأنطوا النيحة» وقال الأعشى:
جيادك خير جياد الملوك ** تصان الحلال وتنطى السعيرا

قال أبو الفضل الرازي وأبو زكريا التبرزي: أبدل من العين نونًا؛ فإن عنيا النون في هذه اللغة مكان العين في غيرها فحسن، وإن عنيا البدل الصناعي فليس كذلك، بل كل واحد من اللغتين أصل بنفسها لوجود تمام التصرّف من كل واحدة، فلا يقول الأصل العين، ثم أبدلت النون منها.
وذكر في التحرير: في الكوثر ستة وعشرين قولا، والصحيح هو ما فسره به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «هو نهر في الجنة، حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
وفي صحيح مسلم، واقتطعنا منه، قال: «أتدرون ما الكوثر؟.
قلنا: الله ورسوله أعلم.
قال: نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد النجوم»
انتهى.
قال ذلك عليه الصلاة والسلام عندما نزلت هذه السورة وقرأها.
وقال ابن عباس: الكوثر: الخير الكثير.
وقيل لابن جبير: إن ناسًا يقولون: هو نهر في الجنة، فقال: هو من الخير الكثير.
وقال الحسن: الكوثر: القرآن.
وقال أبو بكر بن عباس ويمان بن وثاب: كثرة الأصحاب والأتباع.
وقال هلال بن يساف: هو التوحيد.
وقال جعفر الصادق: نور قلبه دله على الله تعالى وقطعه عما سو اه.
وقال عكرمة: النبوّة.
وقال الحسن بن الفضل: تيسير القرآن وتخفيف الشرائع.
وقال ابن كيسان: الإيثار.
وينبغي حمل هذه الأقوال على التمثيل، لا أن الكوثر منحصر في واحد منها.
والكوثر فوعل من الكثرة، وهو المفرط الكثرة.
قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر.
وقال الشاعر:
وأنت كثير يا ابن مروان طيب ** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

{فصل لربك وانحر}: الظاهر أن فصل أمر بالصلاة يدخل فيها المكتوبات والنوافل.
والنحر: نحر الهدى والنسك والضحايا، قاله الجمهور؛ ولم يكن في ذلك الوقت جهاد فأمر بهذين.
قال أنس: كان ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي وينحر، وقاله قتادة.
وقال ابن جبير: نزلت وقت صلح الحديبية.
قيل له: صل وانحر الهدى، فعلى هذا الآية من المدني.
وفي قوله: {لربك}، تنذير بالكفار حيث كانت صلاتهم مكاء وتصدية، ونحرهم للأصنام.
وعن علي، رضي الله تعالىعنه: صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة.
وقيل: ارفع يديك في استفتاح صلاتك عند نحرك، وعن عطية وعكرمة: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى، وقال الضحاك: استو بين السجدتين جالسًا حتى يبدو نحرك، وقال أبو الأحوص: استقبل القبلة بنحرك.
{إن شانئك}: أي مبغضك، تقدم أنه العاصي بن وائل، وقيل: أبو جهل.
وقال ابن عباس: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: بتر محمد، فأنزل الله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر}.
وقال شمر بن عطية: هو عقبة بن أبي معيط.
وقال قتادة: الأبتر هنا يراد به الحقير الذليل.
وقرأ الجمهور: {شانئك} بالألف؛ وابن عباس: شينك بغير ألف.
فقيل: مقصور من شاني، كما قالوا: برر وبر في بارر وبار.
ويجوز أن يكون بناء على فعل، وهو مضاف للمفعول إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال؛ وإن كان بمعنى الماضي فتكون إضافته لا من نصب على مذهب البصريين.
وقد قالوا: حذر أمورًا ومزقون عرضي، فلا يستوحش من كونه مضافًا للمفعول، وهو مبتدأ، والأحسن الأعرف في المعنى أن يكون فصلًا، أي هو المنفرد بالبتر المخصوص به، لا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فجميع المؤمنين أولاده، وذكره مرفوع على المنائر والمنابر، ومسرود على لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر.
يبدأ بذكر الله تعالى ويثني بذكره صلى الله عليه وسلم، وله في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف صلى الله عليه وسلم وعلى آله وشرف وكرم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
التفسير:
هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة، لأن تلك مثال لكون الإنسان في خسر، وهذه للمستثنين منهم بل لأشرفهم وأفضلهم وهو النبي صلى الله عليه وسلم بل له ولشانيه، فكأنها مثال للفريقين جميعًا. هذا وجه إجمالي وأما الوجه التفصيلي فقوله: {إنا أعطيناك الكوثر} أي الخير الكثير وقع في مقابلة الدع والمنع من الإطعام وقوله: {فصل} أي دم على الصلاة وقع بإزاء قوله: {عن صلاتهم ساهون} [الماعون: 5] وقوله: {لربك} مكان قوله: {يراءون} [الماعون: 6] وقوله: {وانحر} والمراد به التصدق بلحوم الأضاحي بحذاء قوله: {ويمنعون الماعون} [الماعون: 7] ثم ختم السورة بقوله: {إن شانئك هو الأبتر} أي الذي تضاد طريقته طريقتك سيزول عنه ما يفتخر به من المال والجاه والأحساب والأنساب ويبقى لك ولمتابعيك الذكر الجميل في الدنيا والثواب الجزيل في العقبى، بل يدوم لك النسب الصوري بسبب أولادك الشرفاء والنسب المعنوي بواسطة أتباعك العلماء، ثم في الآية أصناف من المبالغة منها: التصدير بـ: (أن) ومنها الجمع المفيد للتعظيم، ومنها لفظ الإعطاء دون الإيتاء ففي الإعطاء دليل التمليك دون الإيتاء ولهذا حين قال: {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني} [الحجر: 7] كان أمته مشاركين له في فوائدها ولم يكن له منعهم منها. ومنها صيغة المضي الدالة على التحقيق في وعد الله تعالى كما هي عادة القرآن، ومنها لفظ الكوثر وهو مبالغة في الكثرة بزيادة الواو كجدول فيشمل خيرات الدنيا والآخرة، إلا أن أكثر المفسرين خصوه فحملوه على أنه اسم نهر في الجنة. عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيت نهرًا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فضربت بيدي إلى مجرى الماء فإذا أنا بمسك أذفر فقلت: ما هذا؟ فقيل: هو الكوثر الذي أعطاك الله» وفي رواية: «ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور خضر لها أعناق كأعناق البخت من أكل من ذلك الطير وشرب من ذلك الماء فاز بالرضوان» قال أهل المعنى: ولعله إنما سمى كوثرًا لأنه أكثر أنهار الجنة ماء وخيرًا، أو لأن أنهار الجنة تتفجر منه كما روي أنه ما في الجنة بستان إلا وفيه من الكوثر نهر جار أو لكثرة شاربيه. وقد يقال: إن الكوثر حوض في الجنة على ما ورد في الأخبار فلعل منبعه حوض ومنه تسيل الأنهار، والقول الثالث أن الكوثر أولاده لأن هذه السورة نزلت ردًا على من زعم أنه الأبتر كما يجيء والمعنى أنه يعطيه بفاطمة نسلًا يبقون على مر الزمان. فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم مملوء منهم، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، والعلماء الأكابر منهم لا حد ولا حصر لهم.
وقلب الله عصى موسى ثعبانًا. ولما أراد أبو جهل أن يرميه بالحجر رأى على كتفيه ثعبانين فانصرف مرعوبًا. وسبحت الجبال مع داود عليه السلام وسبحت الأحجار في يده ويد أصحابه. وكان داود عليه السلام اذا مسح الحديد لان، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين مسح الشاة الجدباء درت. وأكرم داود بالطير المحشورة ومحمدًا صلى الله عليه وسلم بالبراق، وأكرم عيسى بإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص. وأكرمه صلى الله عليه وسلم بإحياء الشاة المسمومة وبتكلمها أنها مسمومة. وروي أن معاذ بن عفراء كانت له امرأة برصاء فشكت ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فمسح عليها بغصن فأذهب الله عنها البرص، وحين سقطت حدقة رجل يوم أحد رفعها رسول الله صلى الله عيله وسلم فردها إلى مكانها. وكان عيسى يخبر بما في بيوت الناس والرسول صلى الله عليه وسلم عرف ما أخفته أم الفضل فأسلم العباس لذلك، ورد الشمس لسليمان مرة والرسول كان نائمًا ورأسه في حجر على عليه السلام فانتبه وقد غربت الشمس فردّها حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وردها مرة أخرى لعلي عليه السلام فصلى العصر لوقته. وعلم سليمان منطق الطير وفعل ذلك في حق محمد صلى الله عليه وسلم، روي أن طائرًا فجع بولده فجعل يرفرف على رأسه ويكلمه فقال: أيكم فجع هذه بولدها؟ فقال رجل: أنا فقال: أردد ولدها، وكلام الذئب والناقة معه مشهور. وأكرم سليمان بمسير غدو شهر وأكرمه بالمسير إلى بيت المقدس في ساعة، وكان له صلى الله عليه وسلم يعفور يرسله إلى من يريد فيجيء به. وأرسل مع إذا إلى بعض النواحي فلما وصل إلى المفازة فإذا أسد جاثٍ فهاله ذلك ولم يستجرئ أن يرجع فتقدم وقال: إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبصبص، وكما انقاد الجن لسليمان انقادوا لمحمد صلى الله عليه وسلم. وحين جاء الأعرابي بالضب تكلم الضب معترفًا برسالته، وحين كفل الظبية حتى أرسلها الأعرابي رجعت تعدو حتى أخرجته من الكفالة، وحين لسعت الحية عقب الصديق في الغار قالت: كنت مشتاقة إليه. منذ كذا سنين فلم حجبتني عنه. وأطعم الخلق الكثير من الطعام القليل. ومعجزاته صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصى خصوصًا في هذا المقام فثبت صحة قوله: {إنّا أعطيناك الكوثر} قيل: هو القرآن لأن فوائده عديد الحصى.
وقيل: الإسلام أو الشفاعة أو رفع الذكر أو العلم {وعلمت ما لم تكن تعلم} [النساء: 113] أو الخلق الحسن {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4] وقد يقال: إن هذه السورة مع قصرها معجرة من وجوه لما فيها من الإخبار بالغيوب وهو الوعد بكثرة الأتباع والأولاد وزوال الفقر حتى نحر مائة بدنة فييوم واحد وقد وقع مطابقًا، ولأنهم عجزوا عن معارضتها مع قصرها فإنها أقصر سورة من القرآن.
«كل حسب ونسب ينقطع إلا حسبي ونسبي» وإن دين الإسلام لا يزال يعلو ويزيد والكفر يعلى ويقهر إلى أن يبلغ الدين مشارق الأرض ومغاربهما كما قال: {أو لم يروا إنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها} [الرعد: 41] قال بعض أهل العلم: إن الكفار لما شتموه بأنه أبتر أجاب الله عنه من غير واسطة فقال: {إن شانئك هو الأبتر} وهكذا سنة الأحباب إذا سمعوا من يشتم حبيبهم تولوا بأنفسهم جوابه، ونظيره في القرآن كثير {قالوا هل ندلكم على رجل ينبئكم اذا مزقتم} [سبأ: 7] إلى قوله: {أم به جنة} [سبأ: 8] فقال سبحانه: {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة في العذاب والضلال البعيد} [سبأ: 8] وقالوا هو مجنون فأقسم الله: {ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 1، 2] وقالوا لست مرسلًا فقال: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} [يس: ا، 3] {وقالوا أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} [الصافات: 36] فرد عليهم بقوله: {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [الصافات: 36] ثم ذكر وعيد خصمائه بقوله: {إنكم لذائقوا العذاب الأليم} [الصافات: 38] وحين قال حاكيًا {أم يقولون شاعر} [الطور: 30] قال: {وما علمناه الشعر} [يس: 69] وقالوا {إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون} [الفرقان: 4] فأجابهم بقوله: {فقد جاؤا ظلمًا وزورًا} [الفرقان: 4] {وقالوا أساطير الأولين} [الفرقان: 5، 6] فقال: {قل أنزله الذي يعلم السر} [الفرقان: 5، 6] {وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} [الفرقان: 7] فأجابهم بقوله: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20] فما أجل هذه الكرامة! وقال أهل التحقيق السالكون: بل الواصلون لهم ثلاث درجات أعلاها أن يكونوا مستغرقين بقلوبهم وأرواحهم في نور جلال الله وأشار إليهما بقوله: {إنا أعطيناك الكوثر} فإن روحه القدسية متميزة في الكثرة عن سائر الأرواح البشرية بالكم لأنها أكثر مقدمات، وبالكيف لأنها أسرع انتقالا من المقدمات إلى النتائج. وأوسطها أن يكونوا مشتغلين بالطاعات والعبادات البدنية وأشار إليها بقوله: {فصل لربك} وأدناها أن يكونوا في مقام منع النفس عن الانتصاب إلى اللذات العاجلة وهي قوله: {وانحر} فإن منع النفس الشهوية جارية مجرى الذبح والنحر. ومن البيان أن ترتيب السالك هو الأخذ من الأدون إلى الأعلى، وإنما ورد القرآن بما ورد تنبيهًا على أنه صلى الله عليه وسلم كان في نهاية الوصول. وأن هذا الترتيب بالنسبة إليه ينعكس وذلك أنه جاء من الحق إلى الخلق. ثم أشار بقوله: {إن شانئك هو الأبتر} إلى أن دواعي النفس التي هي أعدى الأعداء لا بقاء لها، وإنما هي لذات زائلة وتخيلات فانية {والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا} [الكهف: 46]. اهـ.